التقط الرئيس نجيب ميقاتي “كرة النار” وخرج من قصر بعبدا بثقة 72 نائباً، ورهان، لا خلاف عليه، حول الحاجة إلى حكومة يتمكن رئيس كتلة الوسط النيابية، وعضو نادي رؤساء الحكومات، من تأليفها على وجه السرعة، لتضطلع بأكبر مهمة في تاريخ لبنان ما بعد الطائف، وما بعد الـ2005: وقف انهيار البلد، وإعادة الثقة به وطناً ودوراً واعادته إلى مكانته على الساحتين العربية والدولية.
تمت الخطوة الأولى، بنجاح (أي التكليف) على الرغم من امتناع حزب العهد، تكتل لبنان القوي عن التسمية، مع ربط نزاع مع الرئيس ميقاتي، واعداً بـ”منح الثقة” في المجلس النيابي في ضوء البيان الوزاري..
فعلى مدى ما لا يقل عن 6 ساعات (من العاشرة والنصف صباحاً إلى الخامسة) أجرى الرئيس ميشال عون الاستشارات النيابية الملزمة والتي أفضت إلى تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة بأغلبية 72 صوتاً، وحصول السفير نواف سلام على صوت واحد، وامتناع 42 نائباً عن التسمية، وغياب 3 نواب.
وبصرف النظر عن امتناع تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل، وتكتل الجمهورية القوية الذي يمثل “القوات اللبنانية”، فإن المشهد، بات مؤاتياً لالتقاط فرصة التأليف.
وعلى قاعدة “خير الكلام ما قل ودل”، حدّد ميقاتي عناوين مهمته: فهو يلتقط المهمة ”للحد من النار” وان التعاون مع الرئيس عون موضع تأكد، وان الحكومة ستشكل “لتنفيذ المبادرة الفرنسية، والتي هي لمصلحة لبنان والاقتصاد اللبناني وانهاضه”.
تجاوز الرئيس المكلف مسألة الامتناع عن التسمية، معترفاً بصعوبة المهمة و”قرار الاقدام على وقف تمدد الحريق” بتعاون الجميع، معتبراً ان ثقة النّاس هي الأساس، وهو لا يمتلك على حدّ تعبيره عصا سحرية، معرباً عن اطمئنانه إلى التعاون مع عون فأنا “منذ فترة ادرس الموضوع، ولو لم تكن لدي الضمانات الخارجية المطلوبة لما اقدمت”.
فرصة متاحة لتأليف الحكومة التي هناك إجماع حول ضرورتها لوقف الانهيار، وبناء خارطة طريق للخروج من الأزمة القاتلة.
وعليه، وصل الرئيس ميقاتي إلى بعبدا، وعلى الفور انضم إلى اللقاء الذي كان منعقداً بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي نبيه برّي.
في الاجتماع أبلغ ميقاتي ان مرسوم تكليفه رئاسة الحكومة قيد الاعداد، انطلاقاً من حصيلة الاستشارات، وسط نوايا طيبة بالتعاون حول الخطوة التالية وهي تأليف الحكومة..
إذ اعتبر الرئيس برّي لدى مغادرته بعبدا ان “العبرة في التأليف”.
وعلمت “اللواء” ان اللقاء الرئاسي الثلاثي بعد استشارات التكليف ساده مناخ يتصل يالاستعجال في تأليف الحكومة. وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” ان هناك سلسلة مؤشرات برزت بشأن هذا المناخ انطلاقا من كلام رئيس الجمهورية حول قدرة الرئيس ميقاتي على تدوير الزوايا وكلام ميقاتي عن الضمانات الخارجية والتعاون مشيرة إلى أنه في حال سار مسار التأليف على ما يرام فإن التأليف لن يستغرق أياما نافية أن يكون هناك مهلة شهر.
وقالت أنه لا بد من التوقف عند موقف كتلة الوفاء للمقاومة.
وكشفت مصادر مطلعة على موقف بعبدا ان الرئيس عون توافق مع الرئيس ميقاتي على الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، لكنهما لم يدخلا بعد في تفاصيل تركيبة الحكومة او توزيع الحقائب او اية مسائل اخرى مرتبطة بآلية التأليف. واكدت هذه المصادر ان كل ما تردد عن وجود خلافات حول هذه الحقيبة او تلك لا أساس له لاسيما وان البحث في تركيبة الحكومة لم يبدأ بعد بين الرئيسين عون وميقاتي، لافتة الى ان الهدف من بث مثل هذه الشائعات احداث جدل متعمد للاساءة الى عملية التأليف واختلاق نقاط خلافية بين الرئيسين تسيء الى مسار تشكيل الحكومة. وشددت المصادر على ان مقاربة مسألة تشكيل الحكومة سترتكز على ما يحقق مصلحة لبنان واللبنانيين في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي يمر بها الوطن، وان التعاون بين الرئيسين عون وميقاتي كفيل بالوصول الى هذا الهدف ضمن الاصول والقواعد الدستورية المعروفة. ودعت المصادر الى عدم الاسترسال في نشر معلومات مغلوطة حول التأليف لاسيما وان البحث فيها لم يدخل بعد في التفاصيل المتعلقة بها.
وعلمت “اللواء” ان ميقاتي كان إيجابياً في لقائه مع الرئيس عون بعدالتكليف، ووعد بالعمل على تسريع تشكيل الحكومة بالتعاون معه فور انتهاء مشاوراته مع الكتل النيابية، كما كان مع جبران باسيل يوم السبت الماضي، ودعاه الى التعاون لإنقاذ البلد حتى لولم تتم تسميته من قبل نواب التيار. فيما كان موقف باسيل ان منح الحكومة مرتبط بتشكيلتها وبرنامجها. وتمنى عليه التواصل مع كل الاطراف بإستمرار لامقاطعتها والتفرد بالتشكيل حتى يتم تسهيل مهمته.
وفي الإجراءات الروتينية، زار الرئيس ميقاتي رؤساء الحكومات السابقين واستهلها من بيت الوسط، حيث التقى الرئيس سعد الحريري، ثم الرؤساء فؤاد السنيورة، وتمام سلام، وحسان دياب كما أجرى اتصالاً بعائلة الرئيس سليم الحص مطمئناً إلى صحته.
استشارات التأليف
وبدءاً من الساعة 11.30 من قبل ظهر اليوم، في ساحة النجمة، يباشر الرئيس ميقاتي استشارات التأليف بلقاء مع الرئيس برّي، يليه آخر مع الرئيس الحريري، فسلام فنائب رئيس المجلس النيابي، ايلي الفرزلي، ثم الكتل تباعاً: كتلة التنمية والتحرير، فكتلة تيّار المستقبل، ولبنان القوي، والوفاء للمقاومة، واللقاء الديمقراطي، والجمهورية القوية، على ان تنتهي عند الثانية و50 دقيقة بعد الظهر، بلقاء النائب جميل السيّد، من ضمن 9 نواب مستقلين.
وتهدف الاستشارات لاستمزاج رأي الكتل في تشكيل الحكومة وسط أجواء من ان “معركة” التأليف التي بدأت تتردد سلفاً اصداء صعوبتها برغم التطمينات، لا سيما وأن ميقاتي لن يخرج عن ثوابت رؤساء الحكومات السابقين في التأليف، بينما اوحت مواقف التيار الوطني الحر انه لن يكون متساهلاً ما لم يكن للرئيس عون رأي آخر بالتسهيل.
مفارقات التسمية
اذاً، حصل الرئيس ميقاتي على ما كان متوقعا من اصوات من الكتل الرئيسية بينهم اصوات نواب حزب الله، تؤهله لتشكيل حكومة جديدة، بينما لم يُسمه 42 نائباً بينهم للمفارقة نواب حزب الطاشناق الارمني، بينما انقسم نواب اللقاء التشاوري الاربعة بين من سمّى ميقاتي وهما عبد الرحيم مراد وعدنان طرابلسي ومن لم يُسمِّ احداً وهما فيصل كرامي والوليد سكرية المحسوب من كتلة حزب الله لكنه لم يحضر الاستشارات معها. مقابل صوت واحد هو النائب فؤاد مخزومي للسفير نواف سلام. بينما لم تسمِ كتلة التيار الوطني الحر احداً كما كان متوقعاً، وكذلك كتلة القوات اللبنانية. اماباقي الكتل والنواب المستقلين فقد صوتوا كما كان متوقعا بين مؤيد لميقاتي ومعارض. وقاطع الاستشارات ثلاثة نواب.
وذكرت بعض المعلومات ان سبب عدم تسمية كتلة الطاشناق لميقاتي يعود الى خلاف حول تمثيل الكتلة في الحكومة، هل يكون من ضمن الحصة المسيحية لرئيس الجمهورية ام خارجها. لكن لم يتاكد ذلك من مصدر موثوق به.
وبررت معظم الكتل التي سمت ميقاتي تسميته بضرورة تفادي الفراغ في المؤسسات والحاجة الى اي حكومة تنقذ البلد مماهو فيه. والكتل النيابية التي سمّت ميقاتي، هي: ”المستقبل”، “الوفاء للمقاومة”، “اللقاء الديمقراطي”، “التنمية والتحرير”، “القومية الإجتماعية”، “الوسط المستقل”، “التكتل الوطني”، وكلاً من النواب: تمام سلام، جهاد الصمد، جان طالوزيان، ميشال ضاهر، إدي دمرجيان، عبدالرحيم مراد، عدنان طرابلسي، وإيلي الفرزلي.
مواقف الكتل
وكان الحريري قد سمّى ميقاتي في الاستشارات، وقال من بعبدا: امام البلد اليوم فرصة والجميع يرى ما تشهده الليرة من تحسن وهذا المهم. سميت الرئيس ميقاتي على أساس ان يتابع المسار الدستوري الذي اتفقنا عليه في بيت الوسط، وان شاء الله يتم تكليفه وتشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن، ولا يجب ان نتوقف عند الصغائر فالبلد بحاجة لحكومة.
اما رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعدفقال بعد الاستشارات: على مدى عام مضى، وبالتحديد منذ استقالة حكومة دولة الرئيس حسان دياب بتاريخ 10 أب 2020، وكتلة الوفاء للمقاومة ترى وجوب تشكيل حكومة في البلاد، لأنها المعبر الالزامي والمدخل الضروري لمعالجة الازمات.
واليوم، مع ظهور مؤشرات تلمح الى إمكانية تشكيل حكومة، “ما منعرف، بتظبط او ما بتظبط”، فإن من الطبيعي جدا ان تؤيد الكتلة وتشجع وتعزز هذه الامكانية. ومن هنا جاءت اليوم تسميتنا الرئيس نجيب ميقاتي كرئيس مكلف لتعكس جدية التزامنا بأولوية تشكيل حكومة، ولنتقصد أيضا إعطاء جرعة إضافية لتسهيل مهمة التأليف.
اما كتلة اللقاء التشاوري فقد اعلن بأسمها النائب سكرية “مرشحنا المبدئي هو فيصل كرامي، ولكن امام حاجة البلد الى حكومة نأمل ان تكون انقاذية لأنقاذ البلد وانتشاله من الوضع السيّئ الذي يمر به، قررنا ان نمد اليد ونظهر حسن النوايا للتعاون لمحاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه.
رئيس كتلة الارمن هاغوب بقرادونيان عن سبب عدم تسمية ميقاتي قال: نحن نتمنى للرئيس ميقاتي كل التوفيق وندعو الى تشكيل حكومة بعيداً عن طروحات كبيرة او تسميات قد تعرقل تشكيلها مع مرور الزمن. نحن بحاجة لحكومة انقاذ بكل معنى الكلمة وليس فقط حكومة انتخابات، لا بل وبالأخص، حكومة إصلاحات وضرب الفساد وإعادة الأموال المنهوبة والتحقيق الجنائي والمضي قدماً لتحقيق العدالة بموضوع انفجار المرفأ.
وقيل له: ان موقف الكتلة يضعف الغطاء المسيحي للرئيس ميقاتي، فأجاب: في المرة السابقة قمنا بتقوية الغطاء المسيحي.
وقال النائب جبران باسيل رئيس تكتل لبنان القوي: في ظل عدم ترشح فيصل كرامي، وعدم الاستمرار بتسمية السفير السابق نواف سلام الذي كان لنا توجه حقيقي للسير فيه، وبظل بقاء مرشح جدي وحيد هو ميقاتي، قررنا ان لا نسمي احدا بسبب تجربة سابقة غير مشجعة.
وأضاف: نتمنى التوفيق لرئيس الحكومة الذي سيكلف وان يتم تصحيح رأينا بالممارسة ونتمنى التأليف السريع وسنكون داعمين ومساعدين.
النائب جورج عدوان تحدث بأسم كتلة القوات فقال: سأعيد امامكم الكلام الحرفي الذي قلته لفخامة الرئيس. نحن كتكتل الجمهورية القوية لن نسمّي أحدا ليتكلّف بتأليف الحكومة، لأننا نعتبر انه يجب ان نكون صادقين مع الناس ومع انفسنا.
دريان يبارك
وبارك مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة، مؤكدا أن “دار الفتوى تدعم وتؤيد كل ما ينقذ لبنان من أزمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتنعكس إيجابا على مصالح وحاجات الناس اليومية وإيقاف عذاباتهم، والرئيس ميقاتي العضو الطبيعي في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى هو من الرجال الذين يؤمل منهم الكثير في وضع حد للإنهيار الذي يعاني منه لبنان واللبنانيون وهو رجل دولة ومؤسسات بامتياز”.
ودعا دريان في بيان، القوى السياسية الى”التعاون مع ميقاتي ومساعدته وتسهيل مهمته لتشكيل حكومة تلتزم بوثيقة الوفاق الوطني التي أجمع عليها اللبنانيون وتعزيز دور الدولة ومؤسساتها”.
دولياً، دعت فرنسا التي أخذت علماً بتكليف ميقاتي بلسان المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية إلى تشكيل حكومة كفوءة قادرة على تنفيذ الإصلاحات لا غنى عنها للنهوض بالبلاد.
بالتزامن يزور وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي برئاسة كريستين لافارد لبنان، وقد التقى الرئيسين عون والحريري والنائب السابق وليد جنبلاط.
وافيد أن زيارة الوفد الفرنسي إلى بيروت تأتي في إطار استطلاع الأوضاع وهي كانت مقررة سابقا ولفتت مصادر مطلعة الى انه في خلال اللقاء مع رئيس الجمهورية استفسر الوفد عن موضوع الحكومة وابدى الاستعداد للوقوف إلى جانب لبنان وتقديم أي مساعدة.
وطالب المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي الساسة اللبنانيين للاضطلاع بمسؤولياتهم معلناً عن استعداده لمساعدة اللبنانيين.
الأزمات
وعلى الرغم من التكليف، والأجواء التي رافقت هذه الخطوة، والسعي الحثيث والسريع نحو التأليف، بقيت الأزمات اللبنانية ضاغطة، ففيما اقدم مواطن طرابلسي على محاولة إحراق نفسه، بقيت طوابير البنزين تشاهد في بيروت والمناطق، على الرغم من التبشير بحلحلة بدءاً من اليوم.
ولم تتراجع حدة انقطاع الكهرباء، والتي زادها الطين بلة، فقدان مادة المازوت من محطات التوزيع، ورواج تجارتها في السوق السوداء بكميات كبيرة، الأمر الذي زاد من أعباء المواطنين، مع طلبات أصحاب المولدات بزيادة التعرفة والاشتراك.
وفي الإطار أعلن مدير عام هيئة أوجيرو عماد كريدية عن اتجاه جدي لرفع تعرفة الخدمات على أساس دولار 3900 ليرة، وليس 1507 ليرات.
وربط خبراء اقتصاديون بين عودة الدولار للارتفاع والمطالبة بتخفيض أسعار السلع المرتبطة بالدولار، كمحاولة من أصحاب السوبرماركات ومستوردي المواد الغذائية التنصل من المطالبة بالعودة إلى أصل التسعيرة بالدولار، وتخفيض أسعار السلع بالنسبة نفسها.
555643 إصابة
صحياً، أعلنت وزارة الصحة في تقريرها اليومي عن تسجيل 341 إصابة جديدة بفايروس كورونا، وحالتي وفاة خلال الـ48 ساعة الماضية، ليرتفع العدد التراكمي إلى 555643 إصابة مثبتة مخبرياً منذ 21 شباط 2020.
اللواء